کد مطلب:280382 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:263

الهدایة و أصول الاختلاف
ركب الله تعالی فی الإنسان السمع والبصر والفؤاد، ومن هذا التركیب نشأ فیه قوة الادراك والفكر وبهما یستحضر الإنسان ما هو ظاهر عنده من الحوادث. ویستقرئ ما كان لینطلق إلی ما سیكون. ولأن الإنسان ذو شعور وإرادة. فإن الله تعالی هیا له وجود یقبل الارتباط معه ویستطیع الانتفاع به، قال تعالی: (خلق لكم ما فی الأرض جمیعا). [1] .

وقال: (وسخر لكم ما فی السماوات وما فی الأرض). [2] إلی غیر ذلك من الآیات الناطقة بكون الأشیاء مسخرة للإنسان.

وبعد قیام الإنسان بواجب الخلافة عند الله فی الأرض. واجهت الفطرة أول اختلاف لها علی الأرض. ومنشأ هذا الخلاف أن الإنسان موجود اجتماعی. وجد لیسایر الأفراد من نوعه یریدون منه ما یریده



[ صفحه 11]



منهم. ولما كان فی الإنسان القوی والضیف والمریض إلی غیر ذلك.

ونظرا لتعارض المصالح بین هذا وذاك. ظهر الاختلاف فی الأغراض والمقاصد والآمال. وجاء الاختلاف فی المعاش وهو الذی یرجع إلی الدعاوی وینقسم به الناس إلی مدع ومدعی علیه. وظالم ومظلوم ومتعد ومتعدی علیه وآخذ بحقه وضائع حقه.

ولأن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الاختلاف فی المعاش علی أرضیة الاجتماع المدنی. ولأن الفطرة هی الهادیة إلی الاختلاف نظرا لتعدد الأغراض وتعدد الأشیاء التی سخرها الله للإنسان.

فإنها لم تتمكن من رفع الاختلاف. وكیف تدفع شئ ما تجذبه إلیه نفسها. ولأن الفطرة لا تستطیع أن تقدم تشریع یكون علی عاتق الناس.

وتأمرهم بإتیان أمور هی الواجبات وما فی حكمها وتنهاهم عن أمور هی المحرمات وما فی حكمها. استدعی ذلك وضع قوانین إلهیة ترفع الاختلافات والمشاجرات فی لوازم الحیاة. فرفع الله سبحانه هذا الاختلاف بالنبوة والتشریع.

فالاختلاف الأول فی أمر الدنیا فطری. وكان سببا لتشریع الدین.

لیكون الدین الإلهی هو السبب الوحید لسعادة هذا النوع الإنسانی والمصلح لأمر حیاته. یصلح الفطرة بالفطرة ویعدل قواها المختلفة عند طغیانها. وینظم للإنسان مسلك حیاته، ووضع الله سبحانه ما شرع من الشرائع والقوانین علی أساس التوحید. لأن التوحید هو الحصن الحصین الذی یحفظ الإنسان من الخطأ والزلة، ومن أساس التوحید بنی الدین أسلوبه الاجتماعی وقوانینه الجاریة علی أعمدة الأخلاق. ومن هذا الحصن یعرف الناس ما هو حقیقة أمرهم من مبدئهم إلی معادهم لیسلكوا فی هذه الدنیا حیاة تنفعهم فی غد، ویعملون فی العاجل ما یعیشون به فی الآجل، ولیعلموا أن التشریع الدینی والتقنین الإلهی هو



[ صفحه 12]



الذی بنی علی علم فقط دون غیره، قال تعالی: (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إیاه ذلك الدین القیم ولكن أكثر الناس لا یعلمون). [3] .

وإصلاح الفطرة بالفطرة وتعدیل قواها المختلفة عند طغیانها، إصلاح وتعدیل داخل فی الصنع والإیجاد. قال تعالی: (الذی أعطی كل شئ خلقه ثم هدی) [4] قال فی المیزان: بین أن من شأنه وأمره تعالی أن یهدی كل شئ إلی ما یتم به خلقه، ومن تمام خلقة الإنسان أن یهتدی إلی كمال وجوده فی الدنیا والآخرة. وقال تعالی: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا) [5] وهذه الآیة تفید أن شأنه تعالی هو الامداد بالعطاء یمد كل من یحتاج إلی إمداده فی طریق حیاته ووجوده ویعطیه ما یستحقه. وإن عطائه غیر محذور ولا ممنوع من قبله تعالی. ومن المعلوم أن الإنسان غیر متمكن من تتمیم هذه النقیصة من قبل نفسه. فإن فطرته هی المؤدیة إلی هذه النقیصة. فكیف یقدر علی تتمیمها وتسویة طریق السعادة والكمال فی حیاته الاجتماعیة. وإذا كانت الطبیعة الإنسانیة هی المؤدیة إلی هذا الاختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلی كماله. وهی قاصرة عن تدارك ما أدت إلیه وإصلاح ما أفسدته فالإصلاح - لو كان - یجب أن یكون من جهة غیر جهة الطبیعة. وهی الجهة الإلهیة التی تأتی عن طریق النبوة بالوحی. والخلاصة: إن نوع الإنسان مستخدم بالطبع. وهذا الاستخدام الفطری یؤدیه إلی الاجتماع المدنی وإلی الاختلاف فی جمیع شؤون حیاته. ویقضی التكوین والإیجاد رفع هذا الاختلاف وما یترتب علیه. ولا یرتفع إلا بقوانین تصلح الحیاة الاجتماعیة برفع الاختلاف عنها، وهدایة الإنسان إلی كماله وسعادته یتحقق بأحد أمرین: إما



[ صفحه 13]



بفطرته وإما بأمر ورائه، لكن الفطرة غیر كافیة فإنها هی المؤدیة إلی الاختلاف فی المعاش، فوجب أن تكون الهدایة من غیر طریق الفطرة والطبیعة. وهو التفهیم الإلهی المسمی بالنبوة والوحی. [6] .

وبعد نزول التشریع الإلهی. جاء الاختلاف الثانی. وهو الاختلاف فی الدین. فعندما أصلحت الأمور ببعث النبیین وإرسال المرسلین. وظهر الانذار والتبشیر والثواب والعقاب، جاء الاختلاف فی معارف الدین أو أمور یوم القیامة، وترتب علی هذا الاختلاف اختلال أمر الوحدة الدینیة. وظهرت الفرق والأحزاب وتبع ذلك الاختلاف غیره، ولم یكن هذا الاختلاف الثانی إلا بغیا من الذین جاءهم النبیین بالكتاب ظلما وعتوا منهم. بعد ما تبین لهم أصول الدین ومعارفه وتمت علیهم الحجة.

وعلی هذا فإن المسیرة البشریة عصف بها اختلافان: اختلاف فطری فی المعاش وأمور الحیاة. ورفع هذا الاختلاف بالدین. ثم اختلاف فی نفس الدین. وهذا الاختلاف أوجده العلماء ویستند إلی البغی. وفی هذین الاختلافین یقول تعالی: (كان الناس أمة واحدة. فبعث الله النبیین مبشرین ومنذرین وأنزل معهم الكتاب بالحق لیحكم بین الناس فی ما إختلفوا فیه. وما اختلف فیه إلا الذین أوتوه بغیا بینهم فهدی الله الذین آمنوا لما اختلفوا فیه من الحق بإذنه) [7] قال فی المیزان:

ذكر البعض أن المراد بالآیة أن الناس كانوا أمة واحدة علی الهدایة. لأن الاختلاف أنما ظهر بعد نزول الكتاب بغیا بینهم، وقد غفل هذا القائل عن أن الآیة تثبت اختلافین اثنین لا اختلافا واحدا. وعن أن الناس لو كانوا علی الهدایة فإنها واحدة من غیر اختلاف. فما هو الموجب بل ما



[ صفحه 14]



هو المجوز لبعث الأنبیاء وإنزال الكتاب. وحملهم علی البغی بالاختلاف وإشاعة الفساد؟ وذكر آخرون: أن المراد بالآیة: أن الناس كانوا أمة واحدة علی الضلالة. إذ لولاها لم یكن وجه لترتیب قوله تعالی: (فبعث الله النبیین.. الآیة). وقد غفل هذا القائل عن أن الله سبحانه یذكر أن هذا الضلال الذی ذكره. وهو الذی أشار إلیه بقوله سبحانه: (فهدی الله الذین آمنوا لما اختلفوا فیه.. الآیة). إنما نشأ عن سوء سریرة علماء الدین بعد نزول الكتاب وبیان آیاته للناس، فلو كانوا علی الضلالة قبل البعث والإنزال وهی ضلالة الكفر والنفاق والفجور والمعاصی، فما المصحح لنسبة ذلك إلی علماء الدین؟. [8] .

ویقول صاحب المیزان: قوله تعالی: (وأنزل معهم الكتاب لیحكم بین الناس فیما اختلفوا فیه) هو اختلاف سابق علی الكتاب والمختلفون بهذا الاختلاف هم الناس، وقوله تعالی (وما اختلف فیه) أی فی الكتاب (إلا الذین أوتوه) أی الذین حملوه، وهذا الاختلاف لاحق بالكتاب متأخر عن نزوله. والمختلفون بهذا الاختلاف حملته دون جمیع الناس، فأحد الاختلافین غیر الآخر أحدهما اختلاف عن بغی وعلم والآخر بخلافه. [9] .

فالأنبیاء والرسل علیهم السلام بعد نزول الكتاب. أقاموا الحجة وشیدوا بناء الوحدة الدینیة. ولأن دین الله واحد لا غیر ولا تدعو النبوة إلا إلیه. فإن الناس إذا كذبوا أحد الأنبیاء فقد كذبوا كل الأنبیاء فی الحقیقة، ولما كان التشریع الدینی والتقنین الإلهی یحتاج إلی بیان من الأنبیاء والرسل علیهم السلام. فإن الله أیدهم بالعصمة وصانهم من الخطأ والغفلة فی تلقی الوحی من الله وحفظه وتبلیغه، وقد دل القرآن



[ صفحه 15]



الكریم علی عصمتهم علیهم السلام فی قوله تعالی: (وما أرسلنا من رسول إلا لیطاع بإذن الله) [10] وكما قطع الله تعالی عذر الناس بمیثاق الفطرة قطعه أیضا بإرسال الرسل. فقال تعالی: (رسلا مبشرین ومنذرین لئلا یكون للناس علی الله حجة بعد الرسل) [11] وفی الآیة إشارة إلی عصمتهم علیهم السلام. لأن من المعلوم أن قطع الرسل عذر الناس ورفعهم لحاجتهم. إنما یصح إذا لم یتحقق فی ناحیتهم ما لا یوافق إرادة الله ورضاه. من قول أو فعل وخطأ أو معصیة. وإلا كان للناس أن یتمسكوا به. ویحتجوا علی ربهم سبحانه.

. وبعد إقامة الحجة بواسطة الأنبیاء والرسل. جاء الاختلاف فی الدین من الذین أوتوه بغیا بینهم. والاختلاف فی الدین یخالف الفطرة الإنسانیة. ولقد أمر الله تعالی العلماء أن یبینوا الحق وینشروا علمهم بین الناس. وتوعد سبحانه الذین یكتمون ما أنزل الله. قال تعالی: (إن الذین یكتمون ما أنزلنا من البینات والهدی من بعد ما بیناه للناس فی الكتاب أولئك یلعنهم الله ویلعنهم اللاعنون إلا الذین تابوا وأصلحوا وبینوا). [12] .

قال فی المیزان: أفاد أن كتمانهم إنما هو بعد البیان والتبیین للناس لا لهم فقط. وذلك أن التبیین لكل شخص. إنما یكون باتصال الخبر إلی بعض الناس من غیر واسطة وإلی بعض آخرین بواسطتهم بتبلیغ الحاضر الغائب والعالم الجاهل، فالعالم یعد من وسائط البلاغ وأدواته كاللسان والكلام، وكتمان العالم علمه هو كتمان للعلم عن الناس بعد أن بینه الله لهم، ولقد عد الله تعالی هذا سببا لاختلاف الناس



[ صفحه 16]



فی الدین وتفرقهم.. وأفاد القرآن أن الاختلاف فیما یشتمل علیه الكتاب، إنما هو ناشئ عن بغی العلماء الحاملین له. فالاختلافات الدینیة والانحراف عن جادة الصواب. معلول ببغی العلماء بالإخفاء والتأویل والتحریف وظلمهم. حتی أن الله عرف الظلم بذلك یوم القیامة. فقال: (وأذن مؤذن بینهم أن لعنة الله علی الظالمین الذین یصدون عن سبیل الله ویبغونها عوجا) [13] وقد تبین أن الآیة التی یقول فیها تعالی: (إن الذین یكتمون ما أنزلنا من البینات والهدی من بعد ما بیناه للناس فی الكتاب) [14] مبتنیة علی قوله تعالی: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبیین مبشرین ومنذرین وأنزل معهم الكتاب لیحكم بین الناس فیما اختلفوا فیه وما اختلف فیه إلا الذین أوتوه بغیا بینهم) [15] وجزاء هذا البغی بذیل الآیة السابقة وهو قوله تعالی: (أولئك یلعنهم الله). [16] .

وبالجملة: إن اختلاف الناس فی الدین الذی یكون سببا للطغیان والعناد، یختلف عن اختلافهم فی أمور الدنیا الذی هو فطری. وجمیع الاختلافات والتفرعات التی ظهرت فی الأدیان. كلها صنیعة الهوی والنفس البشریة. وتعلق بها شوائب الأوهام الحیوانیة والإلقاءات الشیطانیة.


[1] سورة البقرة آية 29.

[2] سورة الجاثية آية 13.

[3] سورة يوسف آية 40.

[4] سورة طه آية 55.

[5] سورة الإسراء آية 20.

[6] تفسير الميزان 131 / 2.

[7] سورة البقرة آية 213.

[8] الميزان 125 / 2.

[9] المصدر السابق 127 / 2.

[10] سورة النساء آية 64.

[11] سورة النساء آية 165.

[12] سورة البقرة آية 159.

[13] سورة الأعراف آية 44.

[14] سورة البقرة آية 159.

[15] سورة البقرة آية 213.

[16] الميزان 389 / 1.